بعد تسع سنوات من اصدار كتابه الأول أنياب في جسد الأحلام باللغة العربية، أصدر الكاتب المغربي بوعزة التايك حديثا كتابا باللغة الفرنسية يحمل عنوان قلب مدنس UN COEUR PROFANE عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر (147 صفحة من القطع المتوسط).الكتاب تأملات في معاني الحياة والموت، في الأمل والألم، في الحب والكراهية. وينحو المؤلف في ذلك منحي يزاوج بين الرومانسية والصوفية، مفعمة بالمناجاة حينا وبالحوارات حينا آخر. خطابات متبادلة مع الصمت والوحدة والوردة واليمامة والعصفور.
يتأمل بوعزة التايك رقصة الموت، التي بطلها قلب يعيش احتراقا يقود الي الاندثار، ولكن ما سيدفئ قلبه هو الوردة التي ستظل حية، ترقص مع ظل روحه حتي نفاد الأزمنة. وفي مكان آخر، يورد محاورة بين عصفور وغيمة، تقول فيه هذه الأخيرة أن أفضل وسيلة للانتقام هي احراق قلوب الشعراء. “نصوصي تحب الحديث مع والي نفسها ، هكذا يتحدث التايك عن كتاباته، ويضيف أنها تحب كذلك الحديث الي العندليب المجروح والزهرة المظلومة والنهر الأخرس، والطفلة التي استيقظت صباحا فلم تجد قلبها في مكانه، بل وجدته ينبض داخل صدر غراب. نصوصي لا تهوي العيش الا بداخل حنجرة الهدهد ولا ترقص الا بين شفتي يتيم منعوه من النطق بكلمة ماما ولا تنام الا بجانب قبر تبكي حوله وعليه السحب. نصوصي لا تسترخي علي الورقة، الا بعد أن تضمد جراح فتاة اغتصبها شبح وبصق علي زهرتها المفضلة ثم ذبح النحلة التي تأتيها بالعسل كل مساء قبل زيارة جزيرة الأحلام.تبدو كتابات التايك منفلتة من عقال التجنيس، رغم أنها مزيج خلاق بين النفس الشعري تارة والملمح السردي حينا آخر.
ويكشف هذا الكاتب أن الشاعر والصحافي محمد بشكار انتبه الي هذا الملمح قبل بضع سنوات، حيث قال له: نصوصك لا يمكن تصنيفها ، يقول التايك: هي بالفعل منفلتة عن التجنيس، وهذا ليس قراري، ليس من صنعي ولا من صنعتي. نصوصي تخرج هكذا من بئر توجد داخل قلبي ينهل منها قلمي عندما ينبت لها جناحان من ذهب لبداية رحلة عبر ورقة أقطفها من شجرة لا أعرف من يسقيها ويحميها من حرارة وحر الزمن و المكان. كم من مرة سئلتُ: هذه قصيدة أم قصة قصيرة؟ هذا شعر أم نثر؟ هذا سؤال أم جواب؟ هذه كتابة أم كلام؟هاته التي تحت حرف الباء، هي نقطة أم دمعة؟ فلا أجيب لأني بصراحة لا أعرف الجواب، فمن من النقاد ينصفني فيصنفني ويصنف نصوصي؟
وعن القارئ المستهدف من خلال كتابه الجديد، يوضح أنه يستهدف القارئ الذي يطفئ التلفزيون كلما رأي رصاصة تجري صوب طفل يقبل طفلة. كما يستهدف القارئ الذي يسرق قطرات المطر من أفواه السحب ليسقي بها حنجرة وقلب رجل وحيد في صحراء الحب. ويستهدف أخيرا كل قارئ ما ان ينتهي من قراءة قصيدة حتي يصيح: ها أنا مت، يا أحبائي، فلا تكفنوني الا بورقة شاعر .وعن سبب التنويع في لغة الكتابة، يشير الي أنه منذ أن ولج عالم الكتابة سنة 1992 وهو يكتب باللغتين، لكنه لم ينشر الا باللغة العربية لسبب بسيط هو أنه لم يرد أن يُنعت بالكاتب الفرنكفوني، لأن هذه الصفة في نظره ـ هو اليساري المنغلق والغارق في القومية العربية حتي النخاع الشوكي ـ عنوان خيانة ومحاولة تطبيع مع العدو الذي داس لغته. ويتابع قوله: هذا الموقف السخيف هو من رواسب مرحلة انتهي زمانها لكني لا أعرف لماذا بصماتها ما زالت قابعة في مكان ما من وعيي الشقي. فلغة العدو تحمل ما أريده أنا لا ما تحمله هي، والفرنسية التي أكتب وأنشر بها هي فرنسيتي لا فرنسية الآخر. وسيأتي يوم سأكتب فيه وأنشر بلغة أخري كلغة العنادل ولغة الأزهار ولغة النجوم والسحب، وسأكون آنذاك أسعد كاتب في الوجود عندما سأري سربا من الطيور تبحث عن نصوصي لقراءتها وفك ألغازها تحت أنوار النجوم.
الجدير بالذكر أن بوعزة التايك ـ المولود سنة 1947 ـ لم يبدأ الكتابة الا بعدما بلغ 45 عاما، ونشر كتاباته أولا في العديد من الصحف المغربية، قبل أن يُصدر سنة 1997 كتابه البكر باللغة العربية أنياب في جسد الأحلام الذي سحب منه 500 نسخة، غير أنها لم توزع؛ والسبب ـ كما يقول ـ يعود الي عدم كفاءة الطابع وسذاجة الناشر.
الطاهر الطويل